فتوى الارضاع
> ما قصّة أحدث فتوى صدرت عن أحد علماء الأزهر، والتي تجيز رضاعة المرأة للرجل عند خلوتها به من دون أن تحرم عليه، إن رغب الزواج بها. هل تحوّل الدين الى شركة دعاية وإعلان عن المرضعات وأنا آسف لاستخدام هذا الوصف؟
< لا يجب أن تنسب أخطاء اجتهادات من هم دون مرتبة الإفتاء الى الدين الحنيف. أنا لا أستطيع أن أمنع أحداً من الكلام، لكن ما أستطيع أن أفعله هو أن أستحسن فعل ما يُقال من كلام حسن وصادق تؤيّده شريعة الإسلام. أما ما يخالف الشريعة من كلام، فواجبي تجاهه أن أنهاه وأردّ عليه وأبيّن لمن قاله وللملأ ما هو حق وما هو باطل من وجهة نظري.. وفي ما يتعلّق بموضوع فتوى الارضاع، فهي باطلة وصاحبها أحيل على التحقيق، وقد تمّ فصله بانتظار نتائج التحقيق. ولا نريد أن نجعل من هذا الأمر قصّة يتندّر بها على الإسلام والشريعة، لأن الذي قالها هو مجرّد شخص لا أكثر.
> ما هو موقف الأزهر وهو أعلى جهة إفتاء إسلامية بالخلافات
الفقهية بين المذاهب، أو لنقل الصراع السنّي ـ الشيعي؟
< عمر الأزهر الآن نحو ألف عام، وطوال عمر الأزهر الشريف والدراسة فيه تتميّز بالاعتدال والوسطية والبعد عن التعصّب، والأزهر الشريف لا يفرّق بين المذاهب الإسلامية المختلفة، لأنها مبنية في أصولها على ما جاء في القرآن الكريم، وعلى ما قاله الرسول الكريم (ص) وهذا هو الإسلام.
> تزخر الفضائيات العربية هذه الأيام بالمفتين ومصدّري الفتاوى، ألا يثير ذلك مخاوفكم من تحريف الدين؟
< من الصعب القول أن مثل هذه الأمور لا تقلقنا، فهي تسبّب نوعاً من الفوضى العارمة التي يثيرها مفتو الفضائيات وغير المتخصّصين بالعلوم الشرعية. على المسلمين عدم اللجوء الى هؤلاء من أدعياء العلم، والتوجّه الى الجهات المعترف بها مثل دار الإفتاء والتي تكون من مهامها إصدار الفتاوى للمسلمين.
توحيد الإفتاء
> لدى الغرب المسيحي جهة إفتاء واحدة هي الفاتيكان، ولدى المسلمين الشيعة جهة إفتاء واحدة هي مرجعية النجف، لماذا تتعدّد جهات الإفتاء لدى المسلمين السنّة؟
< تعددت القنوات لكن الشرعية منها محدّدة بضوابط. والإفتاء أمر ضروري، لكن لكل دولة وضعها وظروفها ومسمّياتها. والحقيقة أن هذه المسائل تقديرية، لذلك تختلف المسمّيات من دولة الى أخرى، ففي مصر والسعودية مثلاً يستخدم اسم المفتي لهذه الوظيفة، فيما تعتمد دول أخرى على لجان للإفتاء، والأكثر من ذلك هناك مفتٍ في كل محافظة.
الخلافات المذهبية
> ما خطورة الخلافات المذهبية في الإسلام، وإلى أي مدى تصل، وهل يشكّل بعضها خروجاً على الإسلام؟
< لا خوف عليها طالما أن لا خلاف في صلب الدين ووحدانية الخالق، ولا في الرسالة النبوية الشريفة، أي أن الخلافات المذهبية فرعية وليست أصلية، أي على الفروع لا على الأصول.
> كيف؟ هل يمكن إيضاح ذلك؟
< الشريعة الإسلامية تأمر أتباعها أن يكونوا جميعاً متّحدين في الأصول. أما بالنسبة للفروع فلكل إنسان اجتهاده، وبالنسبة لنا لا نرى ضرراً شرعياً من تعدّد قنوات الاجتهاد، ونرحّب به ما دام هذا الاجتهاد لا يصادم نصّاً شرعياً.
الفارق بين الجهاد والارهاب واسع كالمسافة بين الأرض والسماء
> البعد الطائفي دفع بالبعض الى اللجوء الى التصفية الجسدية والافناء والتكفير، فيما علماء الأمّة عاجزون عن التصدّي لهذه الفتنة، فما هو الحلّ؟
< موقفنا واضح ومعلن وتطرّقنا إليه ليس الآن فقط، ويتلّخص في أن السنّة مسلمون والشيعة مسلمون وكل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو مسلم، أياً كان مذهبه. بالنسبة لي ومبلغ علمي، أنا لا أرى في الخلافات الفرعية شيئاً مضرّاً يدعو الى القلق ما دام لا يصادم الأصل. غير أن ذلك يختلق ويتعارض مع الخلافات التي لا يصحّ أن نختلف عليها، لأن ذلك نحرّمه ونجرّمه. بإمكانك أن تعود الى فحوى مقال كتبته ونشر قبل أيام عنوانه «نعم احترام أصحاب رسول الله الركن السادس من أركان الإسلام». ودللت على صحّة هذا الكلام، وكنت أردّ فيه على من أساء الى بعض أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
نزيف الدم
> كيف يمكن وقف نزيف الدم الإسلامي في المواجهات الطائفية؟
< العقلاء من المسلمين مطالبون بالعمل للقضاء على الصراعات والفتن المذهبية والخلافات التي تحدث بين السنّة والشيعة في كل مكان، وعدم تصوير أي خلاف سياسي على أنه خلاف مذهبي، لأنه لا خلاف بين السنّة والشيعة في أصول الدين، فالجميع مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله ويتّجهون الى قبلة واحدة.
> قضية المرأة وحقوقها وولايتها من أكثر المسائل المثيرة للجدل، حتى في المجتمع الإسلامي وفي الخارج، في ما يتعلّق بموقف الإسلام من حقوق الإنسان. شيخ الأزهر كيف ينظر الى هذا الأمر؟
< لا عيب على الاطلاق في موقف الإسلام من حقوق الإنسان ومن المرأة تحديداً. ليس هناك دين أو تشريع أنصف المرأة وأكرمها أكثر من الإسلام. الإسلام يشجّع المرأة على العمل في كل مجال يحقّق المصلحة العامة التي تؤيّدها الشريعة. لذلك فإن عمل المرأة في الأمور التي تؤيّدها الشريعة، ومشاركتها في الأمور التي تتعلّق بمصلحة الأمّة من نشر للخير والفضائل، من شأنه أن يجعل الأمة تنهض دينياً وثقافياً.
> أثارت قرارات الحكومة المصرية بتعيين المرأة في القضاء، ردود أفعال كثيرة، فهل أخطأت الحكومة، أو من رفض واعترض على قرارها؟
< اختلف الفقهاء في مسألة ولاية المرأة، فمنهم من أجاز لها رئاسة الدولة ومنهم من لم يجز لها بلوغ هذه المرتبة، ولكل فريق اجتهاداته.
الرجل والمرأة
> لكن ما رأي شيخ الأزهر في هذا الأمر؟
< من وجهة نظري، أرى أن الشريعة الإسلامية لا تفرّق بين الرجل والمرأة في تولّي المناصب بما فيها القضاء، لأنه لا توجد نصوص قطعية تمنعها من العمل قاضية، بل أتاحت لها الشريعة الإسلامية مباشرة جميع الحقوق السياسية والمشاركة في كل ما يخص الصالح العام، ولها أن ترشّح نفسها لتكون نائبة في البرلمان، وللشعب الحق في أن يختار من يراه مناسباً من الرجال والنساء.
> ما الفارق بين المرأة والرجل، ولماذا يصحّ للرجل ما لا يصحّ للمرأة؟ من يقول أن الرجل أفضل من المرأة؟
< الإسلام لم يفرّق بين الرجل والمرأة. الدين الإسلامي تحدّث بتفصيل كبير عن الرجل والمرأة وساوى بينهما في الحقوق والواجبات باستثناءات قليلة، الحكمة منها الحفاظ على الجنس البشري، وبالتالي فلا فضل لأحد منهما على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح والقرب من الله.
المساواة
> لكن التشريعات الإسلامية لا تساوي بين الجنسين؟
< مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة يأتي في وجوه عديدة، بدءاً من المساواة في الخلقة، وقد ورد ذلك في مواضيع عدة في القرآن الكريم، حيث أكّدت آيات عدة على أن كلاً من الرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة. وأبلغ من ذلك كلّه أن الله يخاطب الإثنين معاً عندما يقول عزّ وجلّ (يا أيها الناس) فلا يفرّق بين رجل وامرأة. كما أن التكاليف الشرعية تساوي بين الجنسين، فالرجل والمرأة مكلّفان على السواء بالاخلاص لله في العبادة كما في الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وهي واجبات مفروضة على الرجل والمرأة معاً. وحتى في العقائد لم يفرّق الإسلام بين الرجل والمرأة أو ذكر وأنثى في نطق الشهادتين، وفي أمور مهمّة أخرى، ولنا أن نقرأ سورة الأحزاب التي جمعت بين الرجال والنساء وساوت بينهم في عشر صفات.
> أيضاً هناك قضية المواطنة المجزّأة في الدول العربية والإسلامية، لماذا يقف التشريع أو الإسلام ككل موقف المتفرّج منها؟
< الشريعة الإسلامية أقرّت بالمساواة التامة بين جميع المواطنين في حقوق المواطنة، بغضّ النظر عن معتقدهم الديني أو انتمائهم السياسي. وأي قوانين تخالف الشرع الإسلامي يجب أن يعاد النظر فيها.
تفرقة
> الكثير من الدول العربية تفرّق بين الرجل والمرأة في تشريعاتها وقوانينها التي تقول إنها مستمدة من روح الشريعة الإسلامية السمحاء، فهل يجوز ذلك؟
< حق العمل واحد للجميع، والإسلام لم يقصره على الرجل دون المرأة، ولم يقيّد المرأة أو يعقّد أمر عملها، وهذا واضح وأكيد في قوله تعالى:«من عمل صالحاً من ذكر وأنثى وهو مؤمن فلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طيّبة ولَنَجْزِينَّهم أجرَهم بأحسن ما كانوا يعملون».. وكلمة من في الآية الكريمة تعني الذكر والأنثى بلا تفريق بينهما في العمل الصالح النافع الخادم للمجتمع، والبعيد عن الظلم والتمييز والاعتداء على حقوق الآخرين. لكن المساواة المطلقة بين الجنسين غير ممكنة لاختلاف الخصائص الجنسية. ولولا هذه الخصائص لانقرض الجنس البشري في وقت مبكّر من نشوء الخليقة. لكن حكمة الله اقتضت أن يتميّز كل جنس عن الآخر بخصائص خاصة بكل جنس لا يعلمها إلا الله، وهناك إجماع لدى الفقهاء وعلماء الاجتماع على أن التفريق في الخصائص يصبّ لصالح المرأة ولا ينقص من قدرها.
المقاومة والارهاب
> على صعيد آخر، يعيش العالم العربي في ظلّ ظاهرتي الكفاح ضد الاحتلال والارهاب الذي يقتل الناس ولا يفرّق بينهم. أين هو الإسلام الحقيقي من القضيتين، وهل بالامكان اعتبار الارهاب وجهاً من أوجه الجهاد؟
< الفارق بين الجهاد والارهاب واسع كالمسافة بين الأرض والسماء. الارهاب يعني الهجوم على أناس مسالمين وأموالهم وشرفهم بكل الوسائل الممكنة ومن دون سابق إنذار. أما الجهاد فهو دفاع عن النفس والمال والأرض والمقدّسات وهو يقع مع الارهاب على طرفي نقيض. إن ما يقوم به الفلسطينيون يصنّف على أنه جهاد، فهم يدافعون عن أرواحهم ودينهم وأموالهم ومقدّساتهم، فهم مجاهدون. وما يجري في العراق ضد الاحتلال مقاومة مشروعة، وعلى العراقيين الوحدة من أجل إعادة الاستقرار في بلادهم. وسبق أن أعلنّا أن للمقاومة العراقية الحق في الدفاع عن بلادها، والحق في استقلال بلادها. لكن نكرّر الدعوة مجدّداً الى جميع العراقيين إلى الوحدة والالتزام الجاد بإعادة الاستقرار إلى العراق