نظر الإسلام إلى الزواج أنه سنة الحياة ودعامة البقاء والعاصم من الانحراف أو الوقوع في المخالفات الخلقية والاجتماعية
وبالزواج تصان العين ويحفظ الفرج وتنطفئ الشهوة وتسكن النفس وتشبع الغريزة وتحفظ الصحة .
والزواج في نظر الإسلام مسكن ومودة وعطف ورحمة وألفة وائتلاف ، وأقتران بين ذكر وأنثى بالجسم والروح والقلب
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } . الروم (21)
فليس الهدف منه قضاء الشهوة فحسب إنما السكن والرحمة قلباً وقالباً
والزواج في نظر الإسلام أيضاً رابطة مقدسة بين رجل وامرأة تتكون منهما أسرة تنشأ في ظلها العواطف الراقية
والأحاسيس النبيلة ووسيلة من وسائل زيادة النسل للمحافظة على الأمة ضد أعدائها ، ولن يتأتي هذا إلا بالزواج
الشرعي الحلال ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) 2.
ولقد أعطى الإسلام غريزة الجنس في الإنسان حقها الذي خلقت من أجله ، وهي من أقوى الغرائز في الإنسان ، وهي تعمل
بنشاط وقوة وتطالب باستجابة دائمة لاستمرار الحياة ، والزواج هو الطريق السليم لإرضاء تلك الغريزة وفي ظله يتحقق
العلاج الناجح .
من أجل هذا حث الإسلام على الزواج وحض عليه وطالب شباب الإسلام بالمسارعة إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا
{ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } . النور (32)
والزواج هو الطريق الطبيعي لمواجهة الميول الجنسية الفطرية ، وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة
فيجب أن تزول العقبات من طريق الزواج ، لتجري الحياة على طبيعتها ، والعقبة المالية هي العقبة الأولى في طريق
بناء البيوت ، وتحصين النفوس ، ولما كان الإسلام نظاماً متكاملاً فهو لا يفرض العفة إلا وقد هيأ لها أسبابها وجعلها
ميسورة للأفراد ، لذلك يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( ثلاثة حق الله عونهم : المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح الذي يريد العفاف )4 .
والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة معرضة للخل والفساد لا أمن فيها للفرد ولا حرية فيها للأسرة .
وما من أمة فشت فيها فاحشة الزنا إلا صارت إلى الانحلال ، منذ التاريخ القديم حتى العصر الحديث ، وقد يقول جاهل
إن أوروبا وأمريكا تملكان زمام القوة المادية اليوم مع تفشي هذه الفاحشة فيها ولكن آثار الانحلال في الأمم القديمة فيها
كفرنسا ظاهرة لا شك فيها ، أما في الأمم الغنية كالولايات المتحدة فإن نتائجها لم تظهر بعد بسبب حداثة هذا الشعب وأتساع
موارده ، كالشاب الذي يسرف في شهواته فلا يظهر هذا الإسراف في بنيته وهو شاب ولكن سرعان ما يتحطم عندما يدلف
إلى الكهولة فلا يقوى على احتمال آثار السن كما يقوى عليها المعتدلون من أنداده .
إن الطريق الطبيعي لممارسة الجنس هو الزواج الشرعي الحلال ، إن اقتراف الجرائم الجنسية عن طريق أي منفذ غير الزواج
سيكون عاقبته وخيمة ونهايته فتاكة .
ولقد حذر الإسلام من العزوبية تحذيراً شديداً وأعلن أنه لا رهبانية في الإسلام وأن العزوف عن الزواج الذي شرعه الله
لخلقه يزعزع كيان الأمة ويوهن قواها ، ويصيب الفرد بألم نفسي حاد ، ومن ناحية أخرى إذا انتشر الزنا في أمة فقد حل
عليها الدمار وكتب عليها الهلاك والفناء .
فعن أبي قلابة قال : أراد ناس من الصحابة أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء وترهبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وغلظ فيهم ثم قال : ( إنما هلك ن كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الأديار
والصوامع فاعبدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم ) 5 .
وعن عكاف بن وداعة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ألك زوجة ياعكاف .؟ قال : لا ، قال : ولا جارية .؟
قال : لا ، قال وأنت موسر صحيح .؟ قال : نعم والحمد لله ، قال : فأنت أذن من أخوان الشياطين أن كنت من رهبان
النصارى فالحق بهم ، وأن كنت منا فصنع كما نصنع فإن من سنتنا النكاح . شراركم عزابكم ، وإن أرذل مواتكم عزابكم ) 6 .
ولقد تزوج الأمام الجليل أحمد بن حنبل في اليوم الثاني من وفاة أم ولده عبدالله ، وقال : أكره أن أبيت عازباً .