ولدينا في القرآن والسنة نماذج ترسم لنا كيف لا يمنع الحياء من قول الحق أو فعل الخير، وإن كان الحق والمعروف لهما صلة بالأمور الجنسية أو بالجنس الآخر، صحيح أنه يمكن أن يحدث داخل النفس نوع من التوتر يصاحب القول أو الفعل، وهذا أمر محمود، وكثيرًا ما يلازم الحياء السوي. نموذج من القرآن عن الحياء السوي: قال تعالى: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا" سورة القصص الآية: 25. فهنا فتاة تخرج للقاء رجل غريب، ومن الطبيعي بل ومن المحمود أن يصيبها قدر من الحياء، لكن أن يبلغ بها الحياء درجة تمنعها من الخروج لهذا اللقاء وتحقيق مصلحة واجبة أو مندوبة فهذا هو المرفوض المذموم. نماذج من السنة عن الحياء السوي: - عن عائشة أن أسماء موزة أبي بكر سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهِّر فتحسن الطهور، ثم يصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليه الماء ثم تأخذ فرصة مُمَسَّكة فتطهِّر بها، فقالت أسماء: وكيف تُطهِّر بها؟ قال: سبحان الله تطهرين بها، فقالت عائشة -كأنها تخفي ذلك- تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة فقال: تأخذ ماء فتطهـِّر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. رواه البخاري ومسلم وهذه رواية مسلم. وصدقت عائشة أم المؤمنين إذ تصف نساء الأنصار بالحياء، ذاك الحياء السوي الذي لم يمنعهن من قول الحق وعمل المعروف، وهو هنا في صورة طلب العلم والفقه في الدين. لكن لا حرج في أن يستجيب المؤمن لما يصيبه من حياء سوي، فلا يواجه الموقف بنفسه، ويلجأ إلى وسيلة أخرى تحقق المصلحة دون مواجهة، وهذا ما يفعله صحابي جليل: - فعن علي بن أبي طالب قال: "كنت رجلاً مذَّاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية: لمكان ابنته) فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عن أبي داود عن علي قال: "كنت رجلاً مذاءً، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري" وفي رواية لابن حبان: عن المقداد بن الأسود "أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا استحيي أن أسأله. قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة". ورد في فتح الباري: قال ابن دقيق العيد: كثرة المذي هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد. وقال الحافظ ابن حجر، في الحديث استعمال الأدب في ترك المواجهة لما يستحيي منه المرء عرفًا، وحسن المعاشرة مع الأصهار، وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، وقد تقدم استدلال المصنف (أي البخاري) به في كتاب العلم لمن استحيا فأمر غيره بالسؤال، لأن فيه جمعًا بين المصلحتين: استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم. ثم إنه أحيانا يلجأ الإنسان صاحب الحياء السوي إلى التخفيف مما يحسه من توتر (أي حياء) وذلك بأن يقدم بين يدي حديثه عن أمر من أمور الجنس -أو يعقب عليه- فيصرح بما يخالجه من حياء وهذه نماذج لهذا السلوك السوي: - عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأت الماء. فغطت أم سلمة تعني وجهها وقالت: يا رسول الله.. أو تحتلم المرأة؟ قال: نعم. تربت يمينك . فبم يشبهها ولدها؟. رواه البخاري ومسلم. وقد أورد البخاري هذا الحديث تحت باب "الحياء في العلم" وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر". عن أبي موسى قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصار: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأُذن لي، فقلت لها : يا أماه أو -يا أم المؤمنين إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل. رواه مسلم. ولننظر هنا كيف يظن رجل أن طلب العلم من امرأة في أمر من الأمور الجنسية، يعتبر من الرفث ، الذي ينبغي أن ينأى عنه الرجل الحيي، فترد عليه عائشة في صراحة ووضوح، دونما حرج، بأن يدفع ذاك الظن الخاطئ. على أن هناك مجالين لها علاقة بالأمور الجنسية يفرض الحياء السوي الصمت الكامل فيهما: المجال الأول: هو مجال أسرار المباشرة الزوجية. والمجال الثاني: هو مجال العبث واللهو والتندر بأمور تتعلق بالمتعة الجنسية، مما يزيح عنها رداء الصون والعفاف ويعرضها للابتذال، هذا فضلاً عما قد يثيره من الشهوة، لا سيما عند غيرالمتزوجين.
ثالثا: لا حياء في تقديم الثقافة الجنسية المشروعة أو طلبها ينبغي أن نكون على ذكر من أن الله سبحانه وتعالى، قد أنزل في كتابة الكريم من أمور الجنس شيئا كثيرًا، وفيه شواهد تطبيقية على أن ذكر الأمور الجنسية في مناسبتها لا يتعارض مع الحياء بوجه من الوجوه، وقد أنزل الله كتابه نورًا لعباده، ويسره لهم ليتلوه جميعا ويتدبره الرجل والمرأة والشاب والشيخ، فقال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (سورة القمر الآية: 40) كما ينبغي أن نكون على ذكر أيضا من أنه ورد في السنة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها". رواه البخاري ومسلم. ولم يمنع هذا الحياء الجم- بل البالغ أقصى درجات الكمال، لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يعلم الناس أمور الجنس، ويستمع إلى أسئلتهم وشكاواهم المتعلقة بالجنس في سماحة ويسر، حتى وإن كانت بعض تلك الأسئلة والشكاوي صارخة التعبير. ونؤكد أنه ينبغي أن تكون لنا القدوة الحسنة في آيات كتاب الله العزيز وفي سنة رسوله الأمين فنتعلم منهما النهج السوي في الحديث عن أمور الجنس نهجًا يتسم بسمو في التعبير -مما يتوافق مع الحياء السوي، كاستعمال الكناية والمجاز، حيث يغنيان عن الحقيقة، والإشارة حيث تغني عن العبارة، والتلميح حيث يغني عن التصريح، والإجمال حيث يغني عن التفصيل، على أن الحياء السوي لا يتعارض مع نوع من التصريح أحيانا، أو مع شيء من التفصيل أحيانا، حتى يكون البيان أكمل بيان. وسنعرض هنا مجموعة شواهد تبين كيف عالج القرآن الكريم في أدب كثيرًا من القضايا التي لها علاقة بالأعضاء التناسلية أو بالمتعة الجنسية، فقدم بذلك للمؤمنين والمؤمنات ثقافة جنسية رصينة، ثم نعرض شواهد أخرى تبين كي تأسَّى رسولنا صلى الله عليه وسلم بالقرآن العظيم، وكذلك صحابته الكرام ثم بعده، فعالجوا جميع تلك القضايا في وضوح، وهو على أتم الحياء وأكمله في الوقت نفسه، فبدافع من الحياء كانوا يقفون من الحديث عند قدر الحاجة لا يتجاوزونها، وكانوا يتحرون الجد ويجتنبون الهزل وكانوا يقصدون المصلحة لا المفسدة، رائدهم دائما العفاف والطهر لا المجون ولا الفجور. إن أعضاء البدن كله تشمله الطهارة والكرامة سواء كانت ضمن الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي أو الجهاز التناسلي، وكذلك إعمال الإنسان كلها تشمل الطهارة والكرامة، إذا تمت وفق شرع الله، سواء أكانت أعمال التجارة، أو أعمال القتال أو أعمال المباشرة الجنسية، لذا كان من الطبيعي أن تذكر أعضاء التناسل، وأعمال المباشرة الجنسية، وما يؤدي إليها وما ينتج عنها عندما تأتي المناسبة، كما تذكر أعضاء الأكل والشرب أو أعمال القتال عندما يأتي مناسبتها. وكما أنه لا حرج في ذكر اليدين والفم أو في ذكر الدم والدمع، فلا حرج في ذكر السوأتين والفرج أو في ذكر النطفة والمني، وكما أنه لا حرج في ذكر الجوع والظمأ، أو في ذكر أكل الطعام وشرب الماء، فكذلك لا حرج في ذكر المحيض والطهر وفي ذكر الرفث إلى النساء ومس النساء، ما دامت المناسبة مشروعة، والأسلوب راقيًا، والهدف هو مصلحة المؤمنين والمؤمنات في دينهم ودنياهم .
تتعدد المواقف التي يجد فيها الزوجان أن لكل منهما رغبات واحتياجات لا تتفق مع ما يريده الآخر..وتواجه الحياة الزوجية أزمات حادة حين يصر كل طرف على ما يريد، كما أن فوز طرف وخسارة الآخر لا تعني مرور الأزمة بسلام بل فقط تأجيل الانفجار لوقت لاحق لشعور طرف بالغبن وتجاهل رغباته أو احتياجاته.