إن لهذه الشهوة طرفان:
1? إفراط بأن تقهر العقل فتصرف همة الرجل إلى التمتع بالنساء
فتحرمه عن سلوك طريق الآخرة، ولعلها كما هو الغالب تجر إلى
إقتحام الفواحش، وأعظم شهوة هي شهوة النساء فيجب الإحتراز منها
بترك النظر والفكر، وإلاّ إذا استحكم فإنه يعسر دفعه،
2? تفريط بأن يحجِّم عمل هذه الشهوة بالكبت الخارج عن الإعتدال
حتى تصل مرحلة خمود الشهوة وهو مذموم، وأما المحمود وهو حد
العفاف فهو أن تكون هذه الشهوة معتدلة، منقادة للعقل والشرع في
الإنبساط والإنقباض، ومهما أفرطت فكسرها يكون بالجوع والصوم
وبالتزويج،
والحكمة في إيجاد هذه الشهوة مع كثرة غوائلها وآفاتها بقاء
النسل ودوام الوجود، وأن يقيس بلذتها لذات الآخرة، فإن لذة
الوقاع لو دامت لكانت أقوى لذات الأجساد، كما أن ألم النار أعظم
آلام الجسد والترهيب والترغيب يسوقان الخلق إلى السعادة والثواب.
البلوغ والخصائص الجنسية
لا تؤثر عوامل البلوغ المتغيرة على الجسم فحسب فبالإضافة إلى
عملها في تسريع نمو البدن فهي تؤثر على نفس المراهق وتبدل أفكاره
وأخلاقه وتبعث فيه ثورة نفسية عميقة الأثر، ولهذا نرى أن سلوك
وفكر وخلق البالغ حديثاً تتمايز كثيراً عن الطفل غير البالغ، فإن
للغدد الجنسية وظائف أخرى غير دفع الإنسان لإتيان عمل من شأنه
حفظ الجنس فهي تزيد أيضاً من قوة النشاط الفسيولوجي والعقلي
والروحي، لأن للخصيتين والمبايض وظائف على أعظم جانب من الأهمية،
إنها تولد الخلايا الذكرية والأنثوية وهي في الوقت نفسه تفرز في
الدم مواد معينة تطبع الخصائص الذكرية أو الأنثوية المميزة على
أنسجتها وأخلاطنا وشعورنا وتعطي جميع وظائفنا صفاتها من الشدة،
فالخصية تولد الجرأة والقوة والوحشية، إذ أن للخصية أكثر من أي
غدة أخرى فلها تأثير عميق على قوة العقل وصفته، فكبار الشعراء
والفنانين والقديسين والغزاة يكونون عادةً أقوياء من الناحية
الجنسية، ويؤدي استئصال الغدة الجنسية إلى حدوث بعض التغييرات في
الحالة العقلية، حيث تصبح النساء متبلدات الشعور بعد استئصال
المبيضين ويفقدن قسماً من نشاطهن العقلي وكذلك بالنسبة للرجل.
إذاً في باطن الإنسان هناك قوتان عظيمتان على قدرٍ كبيرٍ من
التأثير وهما: العقل والعواطف.
والمراد من الجانب النفسي والمعنوي للإنسان هو مجموع هاتين
القوتين، وهما تتأثران بالبلوغ إلى جانب التأثير الجسمي في النمو
والتكامل العضوي، وتسير معاً جنباً إلى جنب في طريق النضج مع
مائزٍ واحدٍ هو أن نمو العواطف يساير نمو الجسم في السرعة وتنضج
عواطف المراهق بشكلٍ سريعٍ وشديد بينما يطوي العقل تدريجياً
منازل كماله ومراحل نموه على هونٍ، ويبلغ نموه النهائي بعد مضي
سنواتٍ طوال.
ثم أن الطفل أيضاً قد يكون لديه الحاح وفضول جنسيان وببلوغه سن
المراهقة فإن هذه الحاجات تقوى وتزداد، وقد دلت دراسة كنزي
Kinsey عن المراهقين من الفتيان دلالة واضحة على أن فترة
المراهقة هي فترة رغبات جنسية قوية وقد ثبت له أن ما يزيد عن 95%
من المراهقين الذكور في المجتمع الأميركي يكونون فعالين جنسياً
حين بلوغهم الخامسة عشرة من العمر وهو يعني إنغماسهم في فعاليات
من مثل الإستمناء masturbation والإحتلام wet dream ? الجماع
sexual intercourse والغزل flirtation واللواط pederasty ? وفي هذا دليل على الحاجة الكبرى للتربية الجنسية، ولذلك فإن المراهق
بحاجة لمساعدته فيما يخص مشكلاته الجنسية، وفي إمكان المدرسة
والبيت أن يساعدا المراهق كثيراً في هذا الخصوص، ولا تردد في هذا
الكلام إذ أن هذه الشهوة هي أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها
عند الهيجان على العقل إلاّ أن مقتضاها قبيح يُستحى منه ويُخشى
من اقتحامه، وأما إمتناع أكثر الناس عن مقتضاها فهو إما لعجز أو
لخوف أو لحياء أو لمحافظة على حشمة، وليس في شيء من ذلك ثواب
وإنما الفضل والثواب الجزيل في تركه خوفاً من الله تعالى مع
القدرة عليه وارتفاع الموانع لا سيما عند صدق الشهوة.
هموم المراهقين