أو تخيلي لو أنك مطلقة، ومعك أطفال كيف يكون وضعك وأنت تمارسين دور الأب والأم؟ كيف تكون حالتك وأنت تعملين خارج البيت وداخله بلا توقف؟ كيف إذا سألك الأطفال أين أبي؟ ولماذا لا نعيش معه؟ وكم ستكون نفوسهم ممزقة لو أنهم سمعوا كلمة سيئة عن أبيهم من أهلك أو كلمة نابية عنك من أهل زوجك؟ هل استطعت الآن أن تقدري نعمة الله بأن مصيبتك كانت مخففة؟
ثم هلا أخرجت من قلبك كل حقد، وتذكرت أن سلامة الصدر من الأذى هي التي تنجي من الهلاك يوم القيامة "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".. سليم من كل صفة لا يحبها الله من حقد وحسد وكراهية وغلٍّ "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا".. سليم من الرغبات الدنيوية وتمني ما ليس في اليد "فلا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه".. سليم من حب ما سواه سبحانه، وحب رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وحب من يحبه .
أنا معك أننا بحاجة إلى الحب؛ لأن الرغبة أن نكون محبوبين هي دافع فطري متأصل فينا جميعا، لكن إذا حرمنا نعمة الحب من الزوج ألا يمكن أن نجدها عند غيره؟ ألا يمكن أن نجد صديقات مخلصات؟ أو أخوات في الله محبات؟ أو قريبات وفيات؟ ألا يمكن أن ننثر بذور الحب لمن حولنا فتنمو حبا منهم لنا؟
ثانيا: الخوف من المستقبل: "لو تقدم بي العمر فمن سيرعاني، ومن سيكون بجانبي؟" أسألك يا أختي الغالية: هل يوجد من هو متأكد بأنه سيعيش حتى يتقدم به العمر؟ هل نستطيع أن نضمن الحياة الطويلة لنا أو لمن حولنا من أزواج وأولاد؟ هل يعرف أحد منا من السابق ومن اللاحق إلى الآخرة؟ هل يفرق الموت بين كبير وصغير؟ ثم ألا يمكن أن نربي أولادنا وعند حاجتنا لهم في كبرنا لا نجدهم إما لبعدهم عنا أو لظروفهم السيئة؟ فلماذا هذا الرعب من المستقبل؟
وهنا أيضا يتكرر السؤال نفسه: كيف نستمتع بالحاضر الجميل إذا كانت حياتنا خوفا من المستقبل، وكانت أيامنا هما مما يخبئه لنا الغد؟
أعلمك حكمة لو تمسكت بها لاستطعت أن تغيري نمط تفكيرك في الماضي والمستقبل: "كل ما قد فات فات، وكل ما هو آت آت، وكل ما لم يميتني من هذا أو ذاك فهو يقويني"، فهلا حفظتها عن ظهر قلب؟ وهلا تشبعت بها قلبا وروحا وعقلا؟ ستشعرين عندها كم أنت قوية والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
وأذكر لك حديث من لا ينطق عن الهوى وهو أفضل من أي حكمة لتشكري الله على اليوم دون أن تفكري في الماضي أو تهتمي للمستقبل: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها"، ومن منا نحن رواد الإنترنت لا يملك هذه الثلاثة؟!
نصائحي الإضافية لك:
1 - املئي وقتك بكل خير للدنيا أو للآخرة، وتذكري أن حياة المؤمن هي لله حتى في أكثر أموره دنيوية إذا قصد بها وجه الله، ولم يقصد التفاخر والتباهي "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
أنت تعملين، والحمد لله، فالفراغ عندك أقل بكثير ممن لا تعمل، فيمكنك تقسيم وقتك المتبقي أجزاء تمارسين فيها هواياتك المفضلة من قراءة أو رياضة أو خياطة أو أعمال ديكور أو غيرها، وأخرى لزيارة الأقرباء والصديقات، ويمكنك تقوية إيمانك بزيادة عباداتك لتتقربي من الله سبحانه "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".
كما أن هذا الإيمان يقوى بالأعمال الخيرية الاجتماعية كالعمل في جمعيات البر ورعاية الأيتام مساء، وتفقد أحوال المحتاجين والمشاركة الوجدانية للمحرومين، هذه الأعمال هي التي تسكب الرضا في ثنايا النفس، وتنشر السعادة في أعماق الوجدان.
2 - تذكري أن الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، أي أن البقاء من دون زوج أفضل بكثير من زوج سيئ، ومع ذلك فالزمي الدعاء بأن يرزقك الله الزوج الصالح والذرية الصالحة "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".
3 - نصائح لتعيشي بسعادة، وهي:
- طهري قلبك من الكراهية، والحقد، وكل الآفات السيئة الأخرى.
- حرري عقلك من القلق والتفكير بالمستقبل القريب والبعيد.
- أعطي أكثر، خاصة الحب لمن حولك فسوف تشعرين بمحبتهم لك.
- توقعي أقل سواء من الناس كالشكر أو من المستقبل كالزوج.
- ابتسمي دائما للحياة وأحبيها رغم آلامها لتشعري بجمالها (والحب يعتصر اللذات بالألم).
- عيشي ببساطة، ودون أي تعقيد.
- كوّني صداقات جيدة، خاصة مع الناس الذين يتميزون بالصفات السابقة.
وتذكري أن لك إخوة هنا يتمنون لك كل الخير فلا تتردي بطلب المعونة في أية حال..
وفقك الله والتقيت بمن تظنينه مناسبا لك. وتأكدي أن الله معك ما دمت معه سبحانه "والله معكم ولن يتركم أعمالكم