بتاريخ 3/7/ 2004 عرضت القناة الخامسة الفرنسية فلم المخرج المصري يسري نصر الله الوثائقي الموسوم (الصبيان والبنات والحجاب) وفيه يطرح الكثير من الاسئلة التي تواجه الشباب العربي عموماً والمصري خصوصاً مثل ما هي مشكلات الشباب؟ وما سبب تحجب البنات؟ وهل الحجاب عائق للفتاة عن الحب؟ عائق في العمل والدراسة؟ وغيرها الكثير من الاسئلة. بدون ثرثرة يسحبك يسري نصر الله الى اعماق الواقع المصري والى ظاهرة الحجاب السائد وسط نسائ المدينة ... ويقترب المخرج كثيراً من واقع الشباب ومشاكله في وسط القاهرة، هذا الواقع الذي ابتعد عنه كثيراً المخرجون الشباب الذي يقدم افلاماً تقترب من اجواء السينما الاوربية والامريكية، فنرى نساء جميلات وسيارات فارهة ورجال وسيمون وحفنة فلوس واغاني، لكن يسري نصر الله يأخذ طريق اساتذته الكبار يوسف شاهين وصلاح ابو سيف وتوفيق صالح فيحمل كامرته ويدخل الى روح عائلة مصرية بسيطة مؤلفة من اب وام وابنتهما وابنهما الممثل الشاب (باسم سمره). الاب مثل الكثيرين من المصريين الذين هاجروا عن مصر الى الخليج ليعمل سائق شاحنة وليجمع بعض الاموال ويعود للوطن ويشتري بهما سيارتين للاجرة ويعمل على احداهما والاخرى عند اجير. يعترف الاب ان الهجرة وفرت له السند المالي لاستقرار الاسرة ولكنها لم تجعل الاسرة ثرية، الام تساعد زوجها حيث تعمل خياطة وتقول "سكنت مع زوجي في هذا البيت الضيق منذ زواجنا على امل الانتقال الى بيت اوسع عندما تتحسن الامور" ولكن بعد اكثر من ربع قرن هاهما لايزالا في العشة نفسها. فلم (يسري) لايتوقف عند مشكلات الوالدين بقدر اهتمامه بحياة الابن الشاب (باسم) واخته المحجبة (عبير). عبير بالذات فتاة ناضجة مشرقة متفتحة كالزهرة عذبة في افكارها ووجهها، نقية تعيش حياة اجتماعية مع زميلاتها الطالبات وتحلم بفارس الاحلام الذي قد يأتيها في يوم ما، تقول "قررت ان ارتدي الحجاب في رمضان الماضي ونفذت قراري واليوم تعودت على هذا الغطاء الذي يخفي شعري وصرت اشعر بأني عارية من دونه". قبل التحجب تذهب عبير الى مصور وتلتقط صور لها سافرة واخرى بالحجاب ثم تضع الصورتين في اطار واحد هذا مانشاهده في مشهد النهاية...بالطبع لم يجبرها احد على التحجب انه قرار اتخذته بما يملي ارادتها وهي مثل غيرها تؤكد على ان الحجاب حشمة ويمنع من تحرش الشباب بها بالعبارات غير المحتشمة في الشوارع، هذا لايمنع الرأي الاخر الذي ييبناه احدى البنات التي تقول ان المعاكسات لاتعرف محجبة او سافرة، وتعترف بان عبارات الغزل لاتزعجها بل هي دليل على جمال انوثتها. مرة اخرى يعود بنا (يسري) الى العائلة والى البوم صور الاب على ساحل البحر يرتديان المايوه. اليوم اصبحت ملابس السباحة مجرد ذكرى عند الام. الحجاب لم يغير نمط الحياة الاجتماعية او التعامل الاجتماعي فالمحجبات يتحملن مثل السافرات ويعملن ويشاركن في الرحلات المدرسية ويحضرن الاعراس وكذلك يرقصن مثل غيرهن. يسري نصر الله صور كل هذه الوقائع من الحياة اتليومية ولم يعزل ابطاله في مكان ليسألهم ويجيبون بل لم يطرح عليهم اسئلة معينة بل قال اليوم سنتحدث عن الحب والزواج والحجاب في حياة كل واحدة منكم وانتم احرار فيما تجيبون. معظم ابطال الفلم كانوا من الناس العاديين الذين حاوروا انفسهم بانفسهم مثلما رسموا طريق الفلم، في النهاية فلما بسيطاً صادقاً وحميماً قدم واقع الشباب المصري دون تزييف ودون الانحياز الى ظاهرة الحجاب او رفضها او حتى ان يدين ظاهرة دينية بعينها. الفلم اراد فقط ان يروي افكار هؤلاء البنات والشباب وليس افكار المخرج فمنذ سنين عديدة والمواطن العربي يعيش مسحوق تحت وطأة مشكلات معقدة ولكن الحياة تمضي رغم كل شيء . وربما سيزعج هذا الفلم الكثير كونه يقدم الفتاة المحجبة ذكية ومرحة وحيوية عكس الصورة المعروفة عند الفتاة المحجبة كونها جامدة العقل وذات نظرة ضيقة فالحجاب ليس التحجر وهذا بالضبط هي رسالة الفلم.